سورة النساء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} سبب نزولها أن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك ثلاث بنات وامرأة، فقام رجلان من بني عمّه، يقال لهما: قتادة، وعرفطة فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته، ولا بناته شيئاً، فجاءت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، وشكت الفقر، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. وقال قتادة: كانوا لا يورِّثون النساء، فنزلت هذه الآية.
والمراد بالرجال: الذكور، وبالنساء: الإِناث، صغاراً كانوا أو كبارا. والنصيب: الحظ من الشيء، وهو مجمل في هذه الآية، ومقداره معلوم من موضع آخر، وذلك مثل قوله: {وآتوا حقّه يوم حصاده} [الأنعام: 141] وقوله: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة 103] والمفروض: الذي فرضه الله، وهو آكدُ من الواجب.


قوله تعالى: {وإِذا حضر القسمة أولوا القربى}. في هذه القسمة قولان:
أحدهما: قسمة الميراث بعد موت الموروث، فعلى هذا يكون الخطاب للوارثين، وبهذا قال الأكثرون، منهم ابن عباس، والحسن، والزهري.
والثاني: أنها وصيّة الميّت قبل موته، فيكون مأموراً بأن يعيّن لمن لا يرثه شيئاً، روي عن ابن عباس، وابن زيد. قال المفسّرون: والمراد بأولي القربى: الذين لا يرثون، {فارزقوهم منه} أي: أعطوهم منه، وقيل: أطعموهم، وهذا على الاستحباب عند الأكثرين، وذهب قوم إِلى أنه واجب في المال، فان كان الورثة كباراً، تولوا إِعطاءهم، وإِن كانوا صغاراً، تولّى ذلك عنهم وليّ مالهم، فروي عن عبيدة أنه قسم مال أيتام، فأمر بشاة، فاشتريت من مالهم، وبطعام فصنع، وقال: لولا هذه الآية لأحببت أن يكون من مالي وكذلك فعل محمد ابن سيرين في أيتامِ ولِيَهم، وكذلك روي عن مجاهد: أن ما تضمّنتْه هذه الآية واجب.
وفي القول المعروف أربعة أقوال.
أحدها: أن يقول لهم الولي حين يعطيهم: خذ بارك الله فيك، رواه سالم الأفطس، عن ابن جبير.
والثاني: أن يقول الولي: إِنه مال يتامى، ومالي فيه شيء، رواه أبو بشر عن ابن جبير. وفي رواية أخرى عن ابن جبير، قال: إِن كان الميت أوصى لهم بشيء أُنفذت لهم وصيَّتهم، وإِن كان الورثة كباراً رضخوا لهم، وإن كانوا صغاراً، قال وليُّهم: إِني لست أملك هذا المال، إِنما هو للصغار، فذلك القول المعروف.
والثالث: أنه العِدَة الحسنة، وهو أن يقول لهم أولياء الورثة: إِن هؤلاء الورثة صغار، فاذا بلغوا، أمرناهم أن يعرفوا حقكم. رواه عطاء بن دينار، عن ابن جبير.
والرابع: أنهم يُعْطَوْنَ من المال، ويقال لهم عند قسمة الأرضين والرقيق: بورك فيكم، وهذا القول المعروف. قال الحسن والنخعي: أدركنا الناس يفعلون هذا.
فصل:
اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين.
أحدهما: أنها محكمة، وهو قول أبي موسى الأشعري، وابن عباس، والحسن، وأبي العالية، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والنخعي، والزهري، وقد ذكرنا أن ما تضمنته من الأمر مستحب عند الأكثرين، وواجب عند بعضهم.
والقول الثاني: أنها منسوخة نسخها قوله: {يوصيكم الله في أولادكم} رواه مجاهد عن ابن عباس، وهو قول سعيد بن المسيّب وعكرمة، والضحاك، وقتادة في آخرين.


قوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريّة ضعافا} اختلفوا في المخاطب بهذه الآية على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه خطاب للحاضرين عند الموصي. وفي معنى الآية على هذا القول قولان. أحدهما: وليخش الذين يحضرون موصياً في ماله أن يأمروه بتفريقه فيمن لا يرثه، فيفرِّقه، ويترك ورثته، كما لو كانوا هم الموصين، لسَرَّهم أن يحثَّهم من حضرهم على حفظ الأموال للأولاد، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، ومقاتل.
والثاني: على الضدّ من هذا القول، وهو أنه نهي لحاضري الموصي أي يمنعوه من الوصية لأقاربه، وأن يأمروه بالاقتصار على ولده، وهذا قول مقسم، وسليمان التيمي في آخرين.
والقول الثاني: أنه خطاب لأولياء اليتامى متعلق بقوله: {ولا تأكلوها إِسرافاً وبداراً} فمعنى الكلام: أحسنوا فيمن وليتم من اليتامى، كما تحبّون أن يحسن ولاة أولادكم بعدكم، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، وابن السائب.
والثالث: أنه خطاب للأوصياء أمروا بأداء الوصيّة على ما رسم الموصي، وأن تكون الوجوه التي عينها مرعيّة بالمحافظة كرعي الذرّية الضعاف من غير تبديل، ثم نسخ ذلك بقوله: {فمن خاف من موص جنفاً أو إِثما فأصلح بينهم فلا إِثم عليه} [البقرة: 182]. فأمر الوصي بهذه الآية إِذا وجد ميلاً عن الحق أن يستعمل قضيّة الشرع، ويصلح بين الورثة، ذكره شيخنا علي بن عبيد الله، وغيره، في الناسخ والمنسوخ فعلى هذا تكون الآية منسوخة وعلى ما قبله تكون محكمة.
والضعاف: جمع ضعيف، وهم الأولاد الصغار. وقرأ حمزة: ضعافاً بإمالة العين.
قال أبو علي: ووجهها: أن ما كان على فعال وكان أوله حرفاً مستعلياً مكسوراً، نحو ضعاف، وقفاف، وخفاف؛ حسنت فيه الإِمالة، لأنه قد يُصَعَّدُ بالحرف المستعلي، ثم يُحْدرُ بالكسر، فيستحب أن لا يُصَعَّد بالتفخيم بعد التصوُّب بالكسر، فيجعل الصوت على طريقة واحدة، وكذلك قرأ حمزة: {خافوا عليهم} بامالة الخاء، والإِمالة هاهنا حسنة، وإِن كانت الخاء حرفاً مستعلياً، لأنه يطلب الكسرة التي في {خِفت} فينحو نحوها بالإِمالة. والقول السَّديد: الصواب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8